العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفجأة، حدث التحول فى الموقف الأمريكى، حيث أعلن الرئيس جو بايدن إعطاء الضوء الأخضر إلى أوكرانيا لاستخدام السلاح الأمريكى لضرب العمق الروسى.

الحرب الروسية الأوكرانية وعامها الثالث - 2
 

لواء د. سمير فرج

 21 ديسمبر 2024


استعرضت فى هذا المكان مقالى فى الأسبوع الماضى عن الحرب الروسية الأوكرانية التى بدأت عامها الثالث، والتى بدأت يوم ٢٤ من فبراير ٢٠٢٢، والتى أساسًا بدأت فى عام ٢٠١٤ عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم، وأعادتها إلى نفسها، وهى التى كان خروشوف قد أعطاها إلى أوكرانيا فى عصر الاتحاد السوفيتى القديم، وخلال هذه الفترة السابقة استولت روسيا على ٢٠٪ من الأراضى الأوكرانية من خلال ضم أربع مقاطعات، هى لوهانسك، دونيتسك، زابورجيا، وخيرسون، بعد أن أُجرى استفتاء للأهالى، وأصبحت لديهم بطاقات وجوازات سفر روسية.

وخلال هذا العام، نجحت أوكرانيا فى الهجوم على روسيا، واستولت على مساحة ٤٥ كم داخل الأراضى الروسية فى مقاطعة كورسيك. وهذا بالطبع سيعطى أوكرانيا قوة عندما تجلس على طاولة المفاوضات مع روسيا لبحث تحقيق اتفاقية السلام، وفجأة، حدث التحول فى الموقف الأمريكى، حيث أعلن الرئيس جو بايدن إعطاء الضوء الأخضر إلى أوكرانيا لاستخدام السلاح الأمريكى لضرب العمق الروسى، وهو الأمر الذى لم يكن يسمح به من قبل، عندما كان يعطى أوكرانيا صواريخ هيمارس الأمريكية ذات مدى ٨٠ كيلو، حيث كان يمنع أوكرانيا من ضرب العمق الروسى.

هذا القرار أثار روسيا بالكامل، من الرئيس بوتين إلى الكرملين والدوما، البرلمان الروسى، لدرجة أن الرئيس الروسى بوتين وقّع مرسومًا يوسع إمكانية اللجوء إلى استخدام السلاح النووى الروسى يوم ١٩ نوفمبر الماضى، الأمر الذى يقلب شكل الحرب الروسية الأوكرانية من حرب تقليدية خلال الفترة الماضية، والتى تُستخدم فيها الدبابات والمدفعية والطائرات إلى آخره، إلى احتمالية نشوب حرب نووية فى حالة استخدام روسيا السلاح النووى.

ولا ننسى أن الرئيس ترامب خلال جولته الانتخابية قال إنه لو كان موجودًا فى محادثات هذه الحرب لما حدثت هذه الحرب ووصلت إلى اليوم، بل إنه فور توليه كرسى الرئاسة فى البيت الأبيض سوف يقوم بإيقاف هذه الحرب، ومن هنا بعد تصريح الرئيس الأمريكى جو بايدن بالسماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسى، قامت أوكرانيا بضرب العمق الروسى بالصواريخ البريطانية ستورم شادو ذات مدى ٢٥٠ كيلو، والصواريخ الأمريكية أتاكمز ذات مدى ٣٠٠ كيلو.

وكان الرد الروسى عنيفًا بضرب المجمع الصناعى الأوكرانى بمدينة دبرو فرنكس، لأول مرة، بصاروخ باليستى روسى عابر للقارات طراز أر إس ٢٦، وكان بمثابة رسالة رمزية من بوتين، هذا الصاروخ الذى يعمل بستة رؤوس تقليدية غير نووية ذات قدرة تدميرية عالية، وهو عابر للقارات لا يمكن تتبعه أو اكتشافه بالرادارات، وأطلق عليه الروس صاروخ بندق الفتاك، وهو المسلح عادة بالسلاح النووى.

وقام الروس هذه المرة باستخدام رؤوس متفجرة بدلًا من السلاح النووى، وبدأ الجميع يتساءلون: هل ورط جو بايدن ترامب بالسماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسى، وبالتالى تقوم روسيا بالرد بالدخول فى حرب نووية لا يستطيع ترامب إيقافها كما وعد من قبل؟.

والواقع أن إمكانية روسيا لاستخدام السلاح النووى فى حربها ضد أوكرانيا تخضع لما يسمى قواعد الاشتباك فى الحرب النووية، والتى تقوم على أساس أن أى دولة لديها سلاح نووى- وهى تسع دول فى العالم، أطلق عليها أنا النادى النووى، وهى أمريكا وإنجلترا وفرنسا وروسيا والصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية- يحق لها استخدام السلاح النووى طبقًا لقواعد الاشتباك فى حالة تهديد الأمن القومى للدولة بضرب عمقها، وهناك مَن يقول إن أوكرانيا فى بداية الحرب نجحت فى إرسال طائرة مسيرة وصلت إلى عمق روسيا، وانفجرت فوق الكرملين، مقر الحكومة الروسية، وهناك مَن يقول: أليس ذلك تهديدًا للأمن القومى الروسى؟، ولكن أقول إن تهديد الأمن القومى الروسى يتم من خلال قصف عمق روسيا بصواريخ ومدفعيات وطائرات، هذا هو تهديد الأمن القومى الروسى.

وهنا، طبقًا لقواعد الاشتباك فى الحرب النووية، يمكن لروسيا ضرب أوكرانيا بالسلاح النووى، وهنا يكاد يكون أمام روسيا خياران، إما السلاح النووى التكتيكى، وهو قنبلة من خمسة إلى عشرة كيلو طن، مثل القنبلة التى سقطت على نجازاكى، فى الحرب العالمية الثانية، أو الحرب النووية الاستراتيجية. ويتم قصف الدولة بالكامل، وهنا أعتقد أنه لو حدث ذلك، فإن روسيا يمكن أن تستخدم قنبلة نووية تكتيكية فورًا ضد إحدى المدن الرئيسية الأوكرانية، وأعتقد أن الهدف المحتمل لذلك هو ميناء أوديسا البحرى على البحر الأسود لأنه مدينة ساحلية على البحر الأسود، حيث إن الانبعاثات الإشعاعية ستكون أقل، كذلك، ستندفع هذه الموجات الإشعاعية فى اتجاه البحر الأسود، وبعيدًا عن التأثير على دول أوروبا.

أما الهدف الثانى فيمكن أن يكون فى العاصمة، وهنا يكون الهدف إسقاط نظام الدولة بالكامل، حيث إن هذا الهدف سيخلق مشاكل كبيرة مع باقى دول أوروبا، حيث إن الإشعاع سوف ينتقل إلى كل مكان فى وسط أوروبا، مثلما حدث فى تسرب مفاعل تشيرنوبيل فى السنوات الماضية، وقد وصلت دائرة الإشعاع الناتجة عن التسريب به إلى معظم المناطق الكبيرة فى أوروبا. ولكن يُعد قيام روسيا بضرب أوكرانيا بالعابر للقارات أر إس ٢٦ رسالة من بوتين إلى أوكرانيا والولايات المتحدة ودول حلف الناتو، وأعتقد أن ذلك سوف يضع الولايات المتحدة فى موقف تعيد فيه حساباتها، بل تطلب من أوكرانيا عدم التدخل لضرب العمق الروسى مرة أخرى لكى تعطى الفرصة لترامب عند وصوله إلى السلطة فى البيت الأبيض يوم ٢٠ يناير القادم أن يبدأ فى طلب الطرفين روسيا وأوكرانيا للجلوس على طاولة المفاوضات لتحقيق السلام بين الدولتين.

وعمومًا هناك العديد من التفاهمات التى ظهرت مؤخرًا على أساس أنه بتولى الرئيس الأمريكى ترامب مقاليد الحكم فى ٢٠ يناير القادم، سوف يعمل على تحقيق السلام، حيث يبدأ الجميع يسألون: وما احتمالات الوصول إلى تسوية بين أوكرانيا وروسيا؟، لذلك فإننى أقدم عددًا من الأفكار التى قد تكون أساس الوصول إلى سلام بين الدولتين، على أساس أنه ستتم الموافقة على عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، كما كانت من قبل فى عهد الاتحاد السوفيتى. البند الثانى هو أن تتعهد أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو، أما البند الثالث فهو أن تتعهد روسيا بعدم شن أى حرب مستقبلية ضد أوكرانيا، وبالنسبة للمقاطعات الأربع فإنه من المنتظر إمكانية إجراء استفتاء دولى بين شعوب هذه المقاطعات الأربع لإبداء الرأى فى تبعيتها إلى روسيا أو أوكرانيا، أو يعطى لها حكم ذاتى تابع إلى روسيا، كذلك البند الأخير، وهو رفع العقوبات التى فرضتها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى عن روسيا.

أخيرًا، إنشاء صندوق لإعادة إعمار أوكرانيا، على أن تسهم به روسيا، بصفتها الدولة التى قامت بتدمير هذه المنشآت والبنية الأساسية فى أوكرانيا. تلك كانت المفاهيم الأساسية التى يمكن أن تنطلق منها مباحثات تحقيق السلام بين روسيا وأمريكا وأوكرانيا، والتى من المنتظر إنتاجها فور تولى الرئيس الأمريكى ترامب السلطة، والتى يأمل العالم كله أن يتحقق بها السلام الذى ستنتشر آثاره، خصوصًا الاقتصادية، ليس فقط فى دول أوروبية، ولكن أيضًا دول العالم الثالث.



Email: sfarag.media@outlook.com