العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وبنظرة شاملة للمنطقة، نجد أن مصر هى الدولة الوحيدة «المنورة» بوعى شعبها.

دائما منورة
 

لواء د. سمير فرج

 3 يناير 2025


خلال الأسابيع الماضية، لم أدخل مكانا إلا واستقبلنى رواده بجملة «دايما منورة»... فى البداية لم أفهم ما يعنون، ولكن، أخيرا، أخبرنى أحدهم بأنها الكلمات التى يحب المشاهدون سماعى أكررها فى كل، أو معظم، لقاءاتى التليفزيونية، عند عرض خرائط لمصر، عندما أقول، «شوفوا مصر منورة إزاى فى وسط المنطقة اللى حوالينا». والحقيقة أن تلك الكلمات تخرج منى تلقائياً، بصورة عفوية، فى كل مرة أتابع ما آلت إليه المنطقة؛ فإن نظرنا غربا، إلى ليبيا، نجدها، منذ رحيل القذافى، منذ 13 عاما، لم تجرِ انتخابات برلمانية ولا رئاسية، وهو ما أدى لضياعها، وانقسامها بين حكومتين، متناحرتين، واحدة فى طرابلس برئاسة دبيبة المنتهية ولايته، والأخرى فى بنغازي.وبينما تُنفق كل أموال ليبيا على المرتزقة الوافدين إليها من شمال سوريا، والدول الإفريقية المجاورة، فمنذ رحيل القذافى لم يُنفق دينار واحد على بناء مدرسة، أو مستشفى، أو طريق، أو أى استثمارات، حتى إن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، باتيلى، استقال من منصبه بها، بعدما فقد الأمل فى الحل.

وإن ما نظرنا ناحية الطرف الشرقى، رأينا غزة ممزقة، وغارقة فى أحزانها، التى لا يعلم أحد متى ستنتهي. بينما فى العمق الاستراتيجى لجنوب مصر، تجد 5 ملايين سودانى مشردين عن منازلهم، وقد انتقلوا إلى معسكرات إيواء فى محافظات سودانية مختلفة، ليشكلوا أكبر مجاعة تشهدها إفريقيا، وليدخل السودان نفقا مظلما، لا يرى أحد نهايته. أما اليمن الشقيق، الذى كنا نعرفه دوما سعيدا، نراه يمر، اليوم، بأسوأ أزمة فى تاريخه، بعدما سيطرت عليه ميليشيات الحوثى، فجعلت من أرضه مسرحاً لضربات موجعة من التحالف العسكرى الدولى، المكون من أمريكا وإنجلترا وفرنسا وإسرائيل، الذى يقوم بتدمير بنيته الأساسية من المياه والكهرباء والصرف الصحى والطرق والكبارى والمستشفيات والمدارس، وهو ما يُنبئ بكارثة إنسانية سيعانيها اليمن لسنوات مقبلة، لايمكن لأحد أن يجزم بأمدها.

وإن عدنا للشمال الشرقى، رأينا لبنان، سويسرا الشرق، يعيش منذ سنتين بلا رئيس جمهورية، وبلا رئيس وزراء، إذ تدير البلاد حكومة تسيير أعمال، ثم بدأت بعدها الضربات الإسرائيلية ضد حزب الله فى لبنان فدمرت البنية الأساسية بها، بزعم القضاء على مواقع حزب الله، ومكاتب الصيارفة العاملة لصالحه، فلم يتصور أحد أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بقصف شارع الحمراء فى العاصمة اللبنانية، بيروت، الذى يعج بالأسواق والمطاعم.يضاف إلى ذلك استيلاء إسرائيل على آبار الغاز، واستغلالها لصالحها، بينما يعانى لبنان نقصا حادا فى إمداداته، لدرجة أنه فى الأسابيع الماضية أظلمت بيروت لمدة ثلاثة أيام، ولم ينقذها إلا إرسال الجزائر سفينة غاز هدية للشعب اللبنانى.

وحتى كتابة هذه السطور، لا يمكننا الجزم بمدى التزام إسرائيل بالهدنة المتفق عليها لوقف إطلاق النار، فى ظل تكرار الخروقات، التى وثقها وزير خارجية لبنان فى مذكرة لمجلس الأمن.

أما سوريا الجريحة فإنها تعيش أسوأ فتراتها بعدما نجح أبو محمد الجولانى فى الاستيلاء على مقاليد حكم البلاد، لتسيطر جبهة النصرة على سوريا الحبيبة، وهو ما استغلته إسرائيل بإضافة جريمة جديدة لسجل جرائمها الدولية، بالانقضاض على الجيش السورى وتدمير جميع الرادارات ومواقع صواريخ الدفاع الجوى، وعدد 500 طائرة مقاتلة، والقواعد الجوية، علاوة على تدمير جميع القطع البحرية السورية، ومخازن الأسلحة الرئيسية، ومجمع الصواريخ الباليستية، ومحطات التجسس وجميع الأسلحة، خاصة الفرقة الرابعة المدرعة، ولواء الحرس الجمهورى. ولم تكتف بذلك، بل استولت إسرائيل على منطقة جبل الشيخ الحدودية، لتحكم سيطرتها على كامل هضبة الجولان، ولا يفصلها عن دمشق إلا بعض الكيلومترات، لتصبح بذلك تحت مرمى النيران الإسرائيلية، فى ظل فقدان سوريا قواتها المسلحة.

ولا أظننى بالغت عندما قلت، فى أكثر من مناسبة، أن فرحة السوريين بالتخلص من بشار الأسد، لابد وأن يقابلها حزن شديد، وبكاء، على ما آل إليه الجيش السورى، وجبل الشيخ، فمن يدرك خطورة ذلك، يعى أن سوريا أصبحت دولة بلا دولة، وهو ما سيجرها إلى هاوية سحيقة، لا يُرى قاعها، ما بين تحديات توحيد آلاف الفصائل الإسلامية تحت لواء وزارة الدفاع، ومشكلة حماية الأقليات، خاصة الأكراد، علاوة على تحدى الاندماج، مرة أخرى، مع العالم الخارجى، وحتى لو رفعت الولايات المتحدة الأمريكية اسم أبو محمد الجولانى من على قوائم الإرهاب، فإن ذلك لا يعنى، أبدا، السماح لسوريا بالانفتاح على المجتمع الدولى، الذى لن يقترب منها إلا بكثير من الحرص والتحفظ. وإن مددنا النظر للعراق، وجدنا عناصر الحشد التابعة لحزب الله، مازالت تسيطر على شئون البلاد، رغم كثرة المحاولات العراقية للخروج من تلك العباءة الإيرانية، والحفاظ على سيادته على أراضيه. يضاف لذلك شبح تقسيم العراق، بعدما أعلن الأكراد فى شمالها، استقلالهم لمدة عدة شهور، رغم تراجعهم بعد ذلك، إلا أن احتفاظهم ببرلمان خاص، وقوات مقاتلة مستقلة، أطلقوا عليها اسم «جيش» البشمرجة، علاوة على سيطرتهم على كركوك وآبار النفط، مازال يشكل تهديداً لوحدة العراق.

وبنظرة شاملة للمنطقة، نجد أن مصر هى الدولة الوحيدة «المنورة» بوعى شعبها، الذى خرج يوم 30 يونيو 2013، لينهى حكم الإخوان، وبجيشها القوى، المصنف الأول عربياً وإفريقياً، الذى يؤمن حدودها ووحدتها واستقرارها، ويارب تفضل دوماً منورة بحفظ الرحمن الرحيم، وقوة وتماسك شعبها، وإصرار جيشها على تحقيق الأمن والسلام.



Email: sfarag.media@outlook.com