العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أما المستفيد الأكبر مما حدث فى سوريا فقد كانت تركيا التى نظمت عملية الصفقة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

رؤية تحليلية نحو عام ٢٠٢٥.. سوريا إلى أين؟
 

لواء د. سمير فرج

 4 يناير 2025


فجأة رحل بشار الأسد تحت جنح الظلام مع أسرته، تاركًا سوريا فى النفق نحو المستقبل المجهول، ليدخل أبومحمد الجولانى، (أحمد الشرع) من هيئة تحرير الشام (النصرة) إلى دمشق بعد أن تخلت روسيا والميليشيات الإيرانية وحزب الله والجميع عن جيش بشار الأسد، حيث انتهزت إسرائيل هذه الفرصة، وقامت بالقضاء على الجيش السورى، وحققت حلمها الذى دام أكثر من ٥٠ عاما حينما دمرت جميع وسائل الدفاع الجوى من الرادارات والصواريخ، وجميع الطائرات المقاتلة أكثر من ٥٠٠ طائرة على الأرض، ودمرت القواعد الجوية والمطارات والصواريخ الباليستية من طراز لونا وجميع القطع البحرية المدمرات والفرقاطات ولنشات الصواريخ، بل استولت على باقى هضبة الجولان السورية.

ثم جاءت الضربة الكبرى بالاستيلاء على جبل الشيخ، أهم موقع استراتيجى على الحدود السورية الإسرائيلية، ومن فوقه، تستطيع المدفعية الصاروخية الإسرائيلية أن تنال من العاصمة السورية دمشق، وأعلن أبومحمد الجولانى سيطرته على سوريا، وقام بتكليف البشير بتشكيل أول حكومة بعد حكم الأسد، ودخل الجامع الأموى ليعلن سيطرته التامة على سوريا الحزينة، منزوعة السلاح، لتصبح سوريا ميدانًا للصراع بين الجميع...

ولنبدأ بالولايات المتحدة الأمريكية، والتى كانت تعتبر هيئة تحرير الشام (النصرة) جماعة إرهابية، ورصدت مكافأة ١٠ ملايين دولار لمن يعطى معلومات حول أبومحمد الجولانى وفجأة وصلت إلى دمشق السيدة باربرا ليف مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط، وبعد المقابلة التى استمرت حوالى ساعة فى أحد فنادق دمشق، حيث رفضت فى البداية أن تقابل أبومحمد الجولانى فى قصر الرئاسة حتى لا يعتبر أنه تأييد من الولايات المتحدة لشرعيته، ولكنها أعلنت بعد هذه المقابلة أن الولايات المتحدة رفعت المكافأة المرصودة عن الإرهابى أبومحمد الجولانى، ولتصبح هيئة تحرير الشام منظمة غير إرهابية. وبالتالى باركت الولايات المتحدة هذه الحركة وأصبح النظام الجديد فى سوريا نظامًا مقبولًا من الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا نجحت أمريكا فى إقصاء أكبر قوة من الأذرع العسكرية الإيرانية، وهى سوريا، كذلك ضمنت بقاء القوات الأمريكية فى قاعدة التنف العسكرية، وعليها ٢٠٠٠ جندى أمريكى على الأرض السورية.

أما المستفيد الأكبر مما حدث فى سوريا فقد كانت تركيا التى نظمت عملية الصفقة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، خاصة أن أردوغان كان قد طلب مقابلة الأسد عدة مرات فى الشهور الماضية ورفض الأسد ذلك اللقاء على أساس أن تركيا تحتل شمال سوريا، وأعتقد أنه كان له الحق فى ذلك، ولكن المرونة السياسية كانت تطلب منه أن يوافق على مقابلته، ليس فى سوريا، ولكن ممكن أن يكون فى مكان محايد آخر وليكن مصر.

المهم كانت تركيا أول المباركين لهذه الحركة، ووصل وزير الخارجية التركى هاكان فيدان إلى دمشق، الذى أعلن بكل وضوح أن تركيا كانت طرفًا فاعلًا فى إسقاط نظام بشار الأسد، حيث أكد أن الإدارة السورية الجديدة تحتاج إلى نصائح لإدارة الفترة القادمة على المستوى الداخلى والخارجى، وخلال لقائه مع أحمد الشرع تطرق إلى قضايا كثيرة أبرزها بالطبع وضع الأكراد وتسليح قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والحاجة إلى دمجها ضمن الهيكلة المقترحة ضمن الجيش السورى. وظهر بعد ذلك الهدف الثانى من التقارب التركى مع الإدارة الجديدة فى سوريا، وهو ترسيم الحدود البحرية مع سوريا وأعتقد أنه كان هدفا رئيسيًا لتركيا.

لذلك فى اليوم التالى قامت كل من قبرص واليونان برفض هذا الترسيم الجديد، ومن هنا نؤكد أن اهتمام تركيا بما حدث فى سوريا له ثلاثة أهداف رئيسية، الأول السيطرة على أكراد سوريا لعدم انضمامهم إلى أكراد تركيا لتكوين حلمهم الأكبر، إنشاء الدولة الكردية (كردستان)، والثانى الحصول على جزء من غاز البحر المتوسط، والثالث الاشتراك فى الكعكة الكبيرة، وهو إعادة الإعمار فى سوريا، حيث يأمل أردوغان أن يدفع أكثر من ٤٠ شركة تركية للاشتراك فى هذه العملية، خاصة أنه من المنتظر أن يمول عملية إعادة الأعمار فى سوريا دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة.

كذلك هناك عدد من الدول الأوروبية بدأت فى محاولة إعادة اللاجئين السوريين من بلادهم، وعودتهم إلى سوريا، خاصة ألمانيا التى أعلنت إيقاف دخول السوريين إلى بلادها، لأن أكبر نسبة من السوريين اللاجئين كانوا فى ألمانيا. ثم جاء على استحياء اقتراب روسيا بتحفظ كبير إلى النظام السورى الجديد، حيث إنها كانت من أكثر الداعمين للرئيس بشار الأسد. ورغم أنها تخلت عنه، إلا أنه يحاول أن يحافظ على العلاقة مع النظام الجديد، بهدف الحفاظ على وجود القاعدتين الروسيتين فى طرطوس وحميميم لأنهما المنفذ الوحيد لروسيا على البحر المتوسط، (المياه الدافئة).

وعلى الطرف الآخر، تأتى باقى الدول العربية، التى على الرغم من أنها قد اعتبرت هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، حيث سارعت الأردن بإرسال وزير خارجيتها، وكذلك الإمارات العربية، ثم قطر التى وعدت بتقديم المساعدات المادية إلى النظام السورى. إلا أن معظم هذه الدول بدأت فى التراجع عن ذلك، وبدأت فى رفع المنظمة من قوائم الإرهاب، كذلك العراق التى مازال هناك حكم بالإعدام على أبومحمد الجولانى، أما جامعة الدول العربية التى عادت إليها سوريا بعد غياب ١٢ عاما، حيث أعلنت الجامعة موقفها من الأحداث الأخيرة فى سوريا وضرورة عمل اللازم فى إطار قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ لتوصيل المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين، وتشكيل لجنة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر لمتابعة اتفاق عمان للوصول لحل شامل، كذلك طلبت الجامعة العربية من السوريين إعلاء مفاهيم التسامح ووضع مصلحة الوطن، كما طالبت الفصائل السورية المختلفة بضبط النفس حفاظًا على الأرواح كما أكدت على ضرورة الاتصال وبذل جهد سياسى نحو حل شامل، مع رفض أى تدخلات أجنبية فى سوريا بكافة أشكالها وجددت أمانة الجامعة العربية رفضها الكامل للتدخل الإسرائيلى والاعتداء على الأرض السورية.

وعلى الجانب اللبنانى، أعلنت لبنان أنها تتطلع إلى أن تكون هناك علاقات أفضل مع سوريا الجديدة، بعد اتصال هاتفى بوزير الخارجية اللبنانى عبد الله بو حبيب مع نظيره السورى أسعد الشيبانى، وقال حزب الله اللبنانى إنه يأمل أن تستقر الأوضاع فى سوريا وشعبها ورفض الاحتلال الإسرائيلى للأرض السورية، كما زار الزعيم الدرزى اللبنانى وليد جنبلاط على رأس وفد إلى دمشق والتقيا مع أحمد الشرع وبالنسبة لإيران فهى أكبر المتضررين من هذه الأحداث فى سوريا، ووصول أبومحمد الجولانى إلى الحكم، لذلك أرسلت إيران رسائل إلى سوريا برفض ما جرى من أحداث وكانت تصريحات المرشد الإيرانى قد وصفت ما يحدث فى سوريا بالفوضى، متوقعا ظهور جماعات وصفهم بالشرفاء الأقوياء. للتصدى للنظام الجديد فى سوريا، كذلك قام وزير الخارجية عباس عراقجى بطلب للإدارة الجديدة فى سوريا بالتمهل فى الحكم، وأن التطورات القادمة فى سوريا سوف تكون مثيرة.

لذلك ومن هنا، خرجت هذه التصريحات لتدل على خسارة إيران الكبيرة فى سوريا، حتى إن البعض وصف تعليقات إيران بأنها تحذر من اندلاع حرب أهلية فى سوريا. وكانت هناك معلومات عن إعادة فتح إيران لسفارتها فى دمشق، لكنه تم الإعلان عن تأجيل هذا الموضوع فى انتظار سلوك الحكم الجديد فى سوريا.

فى الوقت نفسه أعلنت الإدارة السورية الجديدة أن هذه التصريحات الإيرانية قد فتحت العديد من المشاكل، حيث تقدمت سوريا إلى المحاكم الدولية تطالب إيران بمئات المليارات من الدولارات كتعويضات للشعب السورى، فى الوقت نفسه أعلنت الإدارة السورية الجديدة أنها ستطالب قيمة ٣٠٠ مليار دولار نتيجة للأضرار التى نجمت عن دعم إيران لنظام الأسد لمدة ١٣ عاما، وجاء تحذير وزير الخارجية السورى الجديد إلى إيران لمنعها من التدخل فى شؤون بلاده.

وهكذا نرى أن الأحداث تتتابع تجاه سوريا الآن ما بين مؤيد ومعارض أو ينتظر ماذا يحدث فى الأيام القادمة، والتى نأمل أن تمر الأحداث بما هو فى صالح الشعب السورى.



Email: sfarag.media@outlook.com