العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أخذت مصر على عاتقها جمع الصف العالمى، والعربى، للقوى المشاركة فى إعادة الإعمار.

كيف حققت مصر وقف إطلاق النار؟ رؤية تحليلية
 

لواء د. سمير فرج

 30 يناير 2025


تولت مصر أمر القضية الفلسطينية، دون تخل، منذ عام 1948، بدأتها بمشاركة الجيش المصرى فى حرب فلسطين، واستمرت، منذ ذلك الحين، فى دعم الشعب الفلسطينى، وحقه فى أرضه. ولما تأسست منظمة التحرير الفلسطينية، كان الرئيس جمال عبدالناصر، أول من قدم ياسر عرفات إلى العالم كله. وخلال العقود والسنوات الماضية، كانت أسر معظم القادة الفلسطينيين يتخذون من مصر مستقرا لهم، ولا يشعرون فيها بالغربة. وفى كل مرة اندلعت فيها الاشباكات بين حماس وإسرائيل، كانت مصر تتدخل، على الفور، حتى تنجح فى وقف إطلاق النار.

إلى أن جاء يوم السابع من أكتوبر 2023، الذى اندلعت فيه الحرب، واستمرت مدة خمسة عشر شهرا، ردا على هجوم حماس على قوات الاحتلال الإسرائيلية، فلم تتراجع مصر عن موقفها، واستمرت فى دعمها، ومساندتها، للشعب الفلسطينى، خاصة لأهالى غزة، الذين زادت معاناتهم، جراء تلك الحرب. وأتذكر أول زيارة لوزير الخارجية الأمريكى،أنتونى بلينكن، إلى مصر، فور اندلاع الحرب، لطلب مرور العالقين الأمريكيين، والأجانب، فى غزة، من خلال معبر رفح، إلى مصر، إلا أن الرئيس السيسى أصر على عدم فتح المعبر لذلك الغرض، إلا بعد مرور قوافل المساعدات الإنسانية لشعب غزة، أولا. ولا يفوتنا هنا أن نؤكد أن نحو 80% من المساعدات الإنسانية التى دخلت إلى غزة، على مدى خمسة عشر شهرا، قدمها الشعب المصرى لأشقائه الفلسطينيين.

وفى نفس هذا اللقاء، الذى أصر الرئيس السيسى على إذاعته على الهواء مباشرة، حتى لا يزايد أحد على مواقف مصر،الثابتة، طلب وزير الخارجية الأمريكى من الرئيس السيسى السماح «بنقل» أهالى غزة إلى سيناء، وهو ما رفضه الرئيس السيسى بوضوح، مؤكدا أن ذلك يُسمى «تهجيرا قسريا» للفلسطينيين من أراضيهم، وتفريغاً لقضيتهم من مضمونها، وإهدارا لحقوقهم.ولما رد وزير الخارجية الأمريكى بأنهم سبق وأن وعدهم الرئيس المصرى السابق، محمد مرسى، بالسماح بذلك، أجابه الرئيس السيسى، على مسمع ومرأى المتابعين، بأنه رئيس البلاد الحالى، والمسئول عن الحفاظ على أمن مصر وسلامتها، وكذا التعاون مع باقى دول العالم العربى للحفاظ على فلسطين. وقد استمر رفض الرئيس السيسى، القاطع، لتهجير الفلسطينيين، عندما كرر الرئيس الأمريكى، ترامب، نفس الطلب، فور توليه الحكم بالولايات المتحدة الأمريكية.

بعد شهر من ذلك اللقاء، زار مصر مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، لمناقشة الرئيس السيسى بشأن «اليوم التالى فى غزة» وهو مصطلح متعارف عليه، عمن سيحكم غزة بعد انتهاء الحرب، فأكد الرئيس السيسى حق الفلسطينيين فى حكم أنفسهم، بعد خروج إسرائيل من القطاع، وذلك بالتنسيق الداخلى فيما بينهم مع السلطة الفلسطينية فى رام الله، دون تدخلات خارجية. وفى أثناء الحرب، لم تتوقف جهود مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، بين السلطة فى رام الله وحماس، لتوحيد صوتهم وكلمتهم، ودحض حجة المجتمع الغربى بأن الفلسطينيين مختلفون فيما بينهم، والمجتمع الدولى «حائر» فيمن يمثلهم فى أى اتفاق بشأن حل القضية، لذا استمرت محاولات مصر لتقريب وجهات النظر بين الطرفين فى القاهرة. ومن ضمن مواقف مصر، بعد غزو إسرائيل لقطاع غزة، واستيلائها على معبر رفح من الناحية الفلسطينية، أن أصرت مصر على عدم فتح المعبر لدخول المساعدات، إلا بعد خروج القوات الإسرائيلية من المعبر، وعودة السيطرة الفلسطينية عليه، من ناحية غزة، طبقا لاتفاقية المعابر الموقعة فى 2005. وقد حاولت القوى المعادية الترويج لأن مصر تتسبب فى معاناة أهالى غزة، برفضها فتح المعبر، إلا أن الأيام أثبتت صحة قرار مصر، وموقفها.

وفى أبريل الماضى، كانت مصر أول من تقدم بمقترح لوقف إطلاق النار بين الجانبين، بهدف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بسرعة، بعدما زادت معاناة أهالى غزة، بشدة. وعندما بدأت المباحثات لإيقاف إطلاق النار، كان نيتانياهو يضع العراقيل أمام تنفيذه، خوفا من محاكمته على جرائمه،حتى تولى الرئيس الأمريكى ترامب السلطة، الذى أصدر أوامره بإيقاف الحرب. وهنا بدأت المفاوضات المصرية، المساندة والداعمة للجانب الفلسطينى، ونجحت مصر فى تنفيذ كل مطالب أهالى غزة. وفى هذا الاتفاق، نفذت إسرائيل المطالب الفلسطينية والمصرية، من خلال الانسحاب الإسرائيلى الكامل من قطاع غزة ومن ممر فيلادلفيا. كذلك تمت الموافقة على طلب مصر بالانسحاب من معبر رفح، وإعادة إدارته للسلطة الفلسطينية، وفقا لاتفاقية المعابر 2005. كما تم الاتفاق على إدخال شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، وكذلك الاتفاق على عملية إعادة الإعمار.

وعندئذ، أخذت مصر على عاتقها جمع الصف العالمى، والعربى، للقوى المشاركة فى إعادة الإعمار، للتعجيل بتوفير حياة كريمة للمواطن الفلسطينى فى غزة، خاصة أن معظم احتياجات عملية إعادة الإعمار سيتم دخولها عبر معبر رفح المصري. ورغم محاولات إسرائيل منع العديد من المساعدات ووضع عراقيل لمنع دخول المساعدات من مصر، بحجة منع دخول أسلحة من مصر عبر القوافل، فإن مصر تصدت لتلك المزاعم، بوضع الضوابط، وإحكام تنفيذها، لتفويت الفرصة على إسرائيل، لمنع دخول موارد إعادة الإعمار إلى غزة. كما تم تنظيم مركز عمليات، فى القاهرة، لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار.

وهكذا، يتضح أن سياسة مصر، والرئيس السيسى، خلال الخمسة عشر شهرا الماضية، قد حققت لأهالى غزة وقف إطلاق النار، وكان هتاف أهالى غزة لمصر، والرئيس السيسى، يوم إعلان وقف إطلاق النار، أكبر دليل على يقينهم بأن الجهود المصرية تستهدف، دائما وأبدا، صالح الشعب الفلسطينى.



Email: sfarag.media@outlook.com