العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

لم يكتف ترامب بتصريحاته عن الشرق الأوسط، قبل بدء رئاسته الفعلية، حيث أضاف إليها تصريحات شائكة.

العالم ما قبل ترامب وما بعد ترامب
 

لواء د. سمير فرج

 8 فبراير 2025


أصبح يوم ٢٠ يناير ٢٠٢٥ يومًا فارقًا فى تاريخ العالم الحديث، فهو يوم تنصيب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد. ومعه، بدأت الولايات المتحدة فترة رئاسية جديدة تمتد لأربع سنوات، حيث وضع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خطوطه العريضة لاستراتيجيته القادمة، وهو يقود أقوى دولة فى العالم عسكريًا واقتصاديًا.

وقبل أن يؤدِّى اليمين الدستورية بدأ ترامب باتخاذ قرارات مبكرة، حيث أرسل مبعوثه الشخصى، ستيف ويتكوف، إلى الدوحة لحضور اجتماعات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل فى غزة، والمساهمة فى حل أزمة الرهائن. بل إنه أصدر تصريحات حاسمة قبل تنصيبه، مؤكدًا أنه فى حال عدم إطلاق سراح الرهائن قبل يوم ٢٠ يناير، فإن الوضع فى غزة سيتحول إلى جحيم سيدفع ثمنه الشرق الأوسط بأكمله.

لم يكتف ترامب بتصريحاته عن الشرق الأوسط، قبل بدء رئاسته الفعلية، حيث أضاف إليها تصريحات شائكة، عن عزمه ضم جرينلاند إلى الولايات المتحدة، وكذلك خليج بنما، وتغيير اسمه إلى خليج أمريكا، وهى التصريحات النابعة، ولا شك، من الرغبة فى تعزيز المصالح الأمريكية، من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية، دون أية اعتبارات لمصالح الغير، إذ تضم جرينلاند قاعدة عسكرية أمريكية، تستخدم فى المهام الدفاعية، لصد أية تهديدات أو هجمات على الولايات المتحدة من ذلك الاتجاه، وهو ما يجعل جرينلاند، بموقعها المتميز، إحدى أهم ركائز خطة الدفاع الاستراتيجى عن الولايات المتحدة الأمريكية. فضلًا عما تمتلكه جرينلاند من موارد طبيعية، مثل المعادن والنفط، مما يؤهلها لأن تكون امتدادًا اقتصاديًا لبلاده على المدى الطويل.

ورغم تربع الاقتصاد الأمريكى على قمة القوى الاقتصادية العالمية، حتى الآن، إلا أن رغبة ترامب فى السيطرة والاستحواذ على خليج وقناة بنما، تبدو وكأنها تحسبًا للمستقبل، الذى يُتوقع فيه أن يتفوق التنين الأصفر الصينى اقتصاديًا على نظيره الأمريكى بحلول عام ٢٠٣٥، وهو ما يدفعه لمحاولة التصدى لجموح التقدم الاقتصادى الصينى. ومما لا شك فيه أن تلك التصريحات، التى لم ترق بعد لمرحلة القرارات، من شأنها خلق توترات ومشاحنات مع الصين، التى تعتمد على ذلك المحور فى معاملاتها التجارية البحرية، وتعتبر أى مساس به، تهديدا مباشراً لمصالحها الاقتصادية، وهو ما لن تسمح به، خاصة وأن الولايات المتحدة تعتزم، أيضاً، زيادة تواجدها العسكرى فى تلك المنطقة، مما يعنى تحويل المحيطين، الهادى والأطلسى، إلى منطقة توتر بين أمريكا والصين.

وتعليقًا على استقالة رئيس الوزراء الكندى، جاستن ترودو، علق الرئيس، المنتخب، ترامب «ممازحًا» بوجوب ضم كندا للولايات المتحدة الأمريكية، واعتبارها الولاية الواحدة والخمسين، للسيطرة على تدفق المهاجرين إلى بلاده عبر حدودها، مهددًا باستخدام القوة الاقتصادية ضدها، وهو نفس التعليق الذى أطلقه أكثر من مرة، قبل ذلك، فى مناسبات مختلفة، والذى لم يُثر استياء الإدارة والشعب الكندى فحسب، وإنما رفع درجة التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وروسيا، لما تنطوى عليه مثل تلك الخطوة، وإن كنت أراها بعيدة التنفيذ على أرض الواقع، من تعزيز للقوى العسكرية الأمريكية فى النصف الشمالى من الكرة الأرضية، وهو ما يصطدم مع طموحات وأطماع روسيا لتحقيق ذات الهدف، لما تحتويه منطقة القطب الشمالى من ثروات خاصة، سواء النفطية أو المعدنية. وفى رأيى أن مثل تلك التصريحات تعد الشرارة الأولى للصراعات المستقبلية التى سيشهدها العالم.

أما فيما يخص رأى الرئيس ترامب، وموقفه السياسى من حلف الناتو، فقد أوضحه جليًا خلال فترة ولايته السابقة، ولم يحاول إخفاءه خلال حملته الانتخابية، أو بعد فوزه، ولم ينتظر حتى استلام مهام الإدارة الأمريكية، ليعود إلى إثارة الجدل والتوتر، مجددًا، بشأن ذلك الأمر من خلال تصريحاته عن الطموحات التوسعية، بالتحرك عسكريًا، لضم جرينلاند، وقناة بنما، ومطالبة دول حلف الناتو بضرورة زيادة الإنفاق الدفاعى إلى ٥٪ من إنتاجها المحلى، وهو ما لا يتعدى، حاليًا، ٢٪ فقط من الدخل، مقابل نحو ٢،٦٪ تنفقها الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم أن وزير الدفاع الأمريكى السابق، لويد أوستن، كان قد بعث برسالة طمأنة لدول حلف الناتو باستمرار عضوية بلاده به، إلا أن رسالته، لن يكون لها، مع الأسف، أى تأثير فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكى مستقبلًا، إذ بعثها وهو على مسافة ١٠ أيام من مغادرة منصبه. وقد جاءت تصريحات ترامب حول زيادة مساهمات دول حلف الناتو مثيرة لاستياء العديد من رؤساء وقادة أوروبا، ومنهم المستشار الألمانى شولتس، والرئيس الفرنسى ماكرون.

وعلى صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، فقد سبق لترامب أن وصف الرئيس الأوكرانى «بالتاجر الشاطر»، بعدما حصل من الإدارة الأمريكية الحالية على مساعدات عسكرية بما يزيد على ٦٠ مليار دولار منذ بدء الحرب مع روسيا، وهو ما أثار انزعاج الرئيس الأوكرانى. كما سبق له، أيضاً، التصريح بقدرته على إنهاء الحرب خلال ٢٤ ساعة، مضيفًا أنها لم تكن لتندلع لو كان موجودًا بالسلطة، إلا أنه لم يشر، من قريب أو بعيد، إلى آليات ووسائل إنهائها. ورغم ذلك، يبقى الأمل فى الوفاء بتعهداته، بعد وصوله إلى البيت الأبيض، ووقف تلك الحرب التى هددت السلام الاقتصادى فى كل دول العالم.

ولكن جاءت الضربة من الرئيس ترامب، حين أعلن أثناء وجوده على متن الطائرة الرئاسية عن نقل أهالى غزة إلى مصر والأردن. وبالطبع، لاقى استياء شديد من كافة أطياف الشعب المصرى، مما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى التأكيد على أن غزة «خط أحمر»، وهو الموقف الذى وحّد الشعب المصرى حول الرئيس السيسى، رافضين ذلك المقترح بشكل قاطع.

وفجأة، جاءت ضربة أخرى من الرئيس ترامب خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، حيث أعلن دعمه لضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، الأمر الذى قوبل برفض واسع فى العالم العربى وجاء رفض كل مقترحات الرئيس ترامب من معظم دول العالم، وعلى رأسها فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وهى من أقرب الدول حليفًا للولايات المتحدة. كما أن الحزب الديمقراطى الأمريكى أعلن رفضه لهذا القرارات، مؤكدًا عدم موافقته عليه، خاصة بعد تصريح ترامب بتمويل غزة لتحويلها إلى «ريفيرا الشرق الأوسط».

ومع تصاعد الغضب فى الشارع المصرى والعربى، يبدو أن ترامب يكسب عداء المصريين والعرب. وهكذا جاءت جميع أفكار وسياسة الرئيس ترامب منذ توليه السلطة يوم العشرين من يناير لتغيير العديد من المفاهيم السياسية فى الفترة القادمة ليس فى الشرق الأوسط ولكنه فى العالم كله، ومن هنا نقول إن العالم أصبح يصنف ما قبل ترامب وما بعد ترامب.



Email: sfarag.media@outlook.com