العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
فوجئت مصر باقتراح زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، بأن تتولى مصر إدارة قطاع غزة للسنوات الثمانى المقبلة.
|
القرار المصرى لا يُشترى بالأموال
لواء د. سمير فرج
|
6 مارس 2025
|
فوجئت مصر باقتراح زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، بأن تتولى مصر إدارة قطاع غزة للسنوات الثمانى المقبلة، على الأقل، مع خيار أن تمتد إلى 15 سنة، عقب نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس، مقابل سداد المجتمع الدولى، والحلفاء الإقليميين، للديون الخارجية لمصر، والتى تقدر بنحو 155 مليار دولار.
جاء ذلك فى كلمة ألقاها لابيد فى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات فى واشنطن، وكذلك فى منشور على موقع التواصل الاجتماعى «إكس»، مضيفاً أنه سيتم، خلال تلك الفترة، إعادة إعمار غزة، مع تهيئة الظروف لحكم ذاتى فى غزة، على أن تكون مصر اللاعب الرئيسى فى الإشراف على عملية إعادة الإعمار، وهو ما من شأنه تعزيز الاقتصاد المصرى، ودفع عملية النمو. كما تضمن اقتراحه تولى مصر، خلال فترة الإدارة المقترحة، مهمة نزع سلاح كل فصائل المقاومة الفلسطينية.
والواقع أن تلك لم تكن المرة الأولى لذلك المقترح، إذ تردد نفس المعنى، بعد شهر من بدء الهجوم يوم 7 أكتوبر 2023، وتحديدا فى أثناء زيارة ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، إلى مصر، عندما عرض على السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، اقتراح الولايات المتحدة الأمريكية بأن تتولى مصر إدارة قطاع غزة بعد خروج إسرائيل من القطاع، وذلك لمدة ستة أشهر، تقوم فيها مصر بإدارة انتخابات داخل قطاع غزة، لتعيين حكومة تكنوقراط من الفلسطينيين.
وتضمن الاقتراح الأمريكى تولى الولايات المتحدة تكاليف إدارة مصر للقطاع، خلال المدة المُقترحة، والتى قُدرت، حينئذ، بمبلغ 3 مليارات دولار، علاوة على إمداد مصر بمعدات لواء مشاة ميكانيكى، لاستخدامه فى عملية السيطرة على غزة خلال مدة الأشهر الستة. إلا أن السيد الرئيس السيسى، رفض ذلك الطرح الأمريكى، رفضاً قاطعاً، فى ذات الاجتماع، مؤكداً أن إدارة قطاع غزة، بعد انسحاب إسرائيل، يجب أن يكون بيد السلطة الفلسطينية، فى رام الله، كما كانت من قبل. لم تكن تلك آخر المقترحات، وإنما ظهر العديد منها بعد ذلك، من بينها تكوين قوة عربية، تضم مصر، لإدارة القطاع لمدة ستة أشهر، وهو ما رفضته مصر مرة أخرى، وكانت مصر لإصرارها على سيادة السلطة الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره. فظهرت اقتراحات أخرى كأن يتم السيطرة على قطاع غزة بواسطة قوة من دول الاتحاد الأوروبى، برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما واجهته مصر بالرفض. واقترحت إسرائيل أن تتولى بعض العشائر الفلسطينية، الموالية لإسرائيل، إدارة قطاع غزة خلال الستة أشهر، وهو ما رفضته مصر أيضاً. كما فشل اقتراح الرئيس الأمريكى السابق، جو بايدن، والحالى، دونالد ترامب، بترحيل سكان غزة إلى سيناء والأردن، أمام الرفض المصرى القاطع من الرئيس السيسى، الذى أيدته كل أطياف الشعب المصري. وجاء اقتراح يائير لابيد، اليوم، بتولى مصر إدارة غزة ونزع سلاح حماس، ليكون بمثابة اعتراف واضح بفشل إسرائيل، بعد 16 شهرا من القتال، فى القضاء على حماس، وهو الأمر الذى سيكون إحدى نقاط المساءلة بعد انتهاء الحرب، إذ سيتم، بلا شك، محاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو، ورئيس أركان جيشه ومدير المخابرات، الذين فشلوا، جميعاً، فى تحقيق ما أعلنوه من أهداف، عند بدء الحرب، والتى كان من بينها القضاء على حماس.
وقد تابعت ردود الأفعال على رفض مصر مقترح لابيد، من خلال مختلف وسائل الإعلام المصرية والعربية والأجنبية، التى أجمعت على أن ما حدث لا يحمل سوى معنى واحد، وهو أن مصر لا تبيع قراراتها بمقابل مادى، وأنها مستعدة لتقبل أى عقوبات من الولايات المتحدة ضدها. وقد برهنت على ذلك عندما قرر الرئيس الأمريكى السابق، جو بايدن، تجميد جزء من المساعدات العسكرية، لمصر، لمدة أربع سنوات خلال فترة رئاسته، ولم تهتم مصر بذلك، حتى تراجع، بايدن، عن قراره، قبل شهر واحد من مغادرته البيت الأبيض، و صرف 500 مليون دولار من المعونة العسكرية التى قام بتجميدها خلال فترة رئاسته. أما المعونة الاقتصادية التى تبلغ 200 مليون دولار، فقد تضاءلت قيمتها بعد التضخم الذى أصاب العالم كله، وبالتالى فإن العقوبات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، حتى وإن ارتفعت قيمتها، لا تؤثر على القرار المصرى.
وقد أظهر الموقف الأمريكى صواب وحكمة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى قراره تنويع مصادر تسليح الجيش المصرى، وتفادى الاعتماد على دولة واحدة، وما قد يخولها ذلك من محاولة التأثير على قرار الإدارة المصرية، أو محاولة توجيهه. كما يجب أن يكون معلوماً للجميع، أن مصر تقدم، العديد من التسهيلات العسكرية للولايات المتحدة، مثل حق المرور فى المجال الجوى للطائرات الحربية، والأولوية لمرور القطع البحرية الأمريكية عبر قناة السويس، وهو أمر مهم جداً للولايات المتحدة، خاصة فى فترات الأزمات فى منطقة الشرق الأوسط. ورغم ذلك، فإن مصر لم تمنع أيا من تلك التسهيلات، فى أى وقت من الأوقات، رغم التهديدات الأمريكية، لذا وجب التذكير بها، لتأكيد المصالح المشتركة، وحتى لا يظن أحد أن لأمريكا اليد العليا.
ومن سابق الخبرات، أؤكد قدرة مصر على تخطى كل العقبات الحالية، خاصة أن وزير الدفاع الأمريكى لا يفضل القيام بأى عملية عسكرية فى المنطقة، دون الحصول على الضوء الأخضر من مصر، مثلما حدث فى حرب الخليج، وذلك تقديراً من بلاده للدور المصرى فى تحقيق السلام للولايات المتحدة ولدول المنطقة
Email: sfarag.media@outlook.com
|