العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
تعتبر أسطورة حصان طروادة من أشهر قصص الخداع فى الحروب، التى تحكى عن الحصان الخشبى الذى بناه اليونانيون واستخدموه لخداع السكان الأصليين.
|
حصان طروادة على الجبهة الروسية الأوكرانية
لواء د. سمير فرج
|
3 إبريل 2025
|
تعتبر أسطورة حصان طروادة من أشهر قصص الخداع فى الحروب، التى تحكى عن الحصان الخشبى الذى بناه اليونانيون واستخدموه لخداع السكان الأصليين، الذين يعيشون فى مدينة طروادة، من أجل اختراق المدينة.
بدأت القصة عندما خطط اليونانيون للاستيلاء على مدينة طروادة، التى تتميز بموقعها الجغرافي، الذى يسيطر على طريق التجارة الرئيسى بين روسيا وأوروبا وآسيا، مما جعلها هدفاً للغزاة والطامعين. إلا أن الأسوار العالية، والمنيعة، التى كانت تحمى المدينة، وتؤمن سكانها، حالت دون اختراقها من أى جانب. فقد حاصر الجيش اليونانى المدينة لمدة عامين، ورغم ذلك لم ينجح فى اختراق أسوارها العنيدة، وهو ما دفع أحد القادة اليونانيين لابتكار فكرة صناعة حصان طروادة الخشبي، الفارغ من الداخل، بما يسمح بدخول بعض من الجنود اليونانيين فيه، ثم تظاهر الجيش اليونانى بالانسحاب، تاركاً ذلك الحصان الخشبى أمام أسوار المدينة.
وبعدما تأكد سكان المدينة من انسحاب الجيش اليونانى من أمام أسوار المدينة، خرجوا فرحين بانتصارهم، وسحبوا الحصان الخشبى إلى داخل المدينة. وامتدت مظاهر احتفالهم بالانتصار طوال الليل، قرعاً للطبول، ورقصاً على أنغامها، مع شرب الخمر، وفى الصباح بعدما نام سكان المدينة، خرج الجنود اليونانيون، المختبئون داخل الحصان، وفتحوا أبواب المدينة لباقى قوات الجيش، فاندفعت القوات اليونانية، مخترقة المدينة، ونجحوا فى الاستيلاء عليها، بعد سنوات من الحصار، وهكذا اشتهرت خطة حصان طروادة فى الأدب والأساطير اليونانية القديمة، وبقيت حتى يومنا هذا كأسطورة.
وبعد مرور آلاف السنين، فوجئ العالم بأسطورة حصان طروادة تتحقق، فى الواقع،على يد القوات الروسية فى عملياتهم ضد أوكرانيا.كانت القوات الأوكرانية قد نجحت فى اقتحام الأراضى الروسية، وتحديداً فى مقاطعة كورسك، الواقعة غرب روسيا، على حدودها مع أوكرانيا، وتمكنت أوكرانيا، بالفعل، من السيطرة على المنطقة التى تتجاوز مساحتها 30000 كيلومتر مربع، وتضم نحو مائة بلدة وقرية روسية. والحقيقة أن تلك العملية تُعد مفاجأة بالمقاييس العسكرية، ففى ضوء مجريات الأحداث، منذ اندلاع الحرب بين البلدين، لم يتوقع أحد أن تنجح أوكرانيا فى اختراق الدفاعات الروسية، والدخول إلى الأراضى الروسية، بل السيطرة على أجزاء منها، وهى من فشلت، قبلاً، فى هجومها المضاد،المعروف باسم «هجوم الربيع»، لطرد القوات الروسية من المقاطعات الأربع، التى سيطرت عليها فى مقتبل الحرب، وهى لوجانسك، ودونيتسك، وزابوروجيا، وخيرسون. والحقيقة أن روسيا لم تسيطر عليها عسكرياً، فحسب، بل قامت بعمل استثنائي، بإجراء استفتاءً بين الأهالي، خرجت نتيجته لمصلحة الانضمام لروسيا، بل صدق «الدوما»، أو البرلمان الروسى على تلك النتيجة.
كان استيلاء أوكرانيا على مقاطعة كورسك بمثابة لطمة قوية على وجه الرئيس الروسى بوتين، لما لذلك من انعكاسات على الموقف التفاوضى لبلاده عند الدخول فى أى مباحثات لتحقيق السلام، التى يتحددطرفها الأقوي، بما يملكه من عوامل ضغط، من بينها مساحات الأرض الواقعة تحت سيطرته. لذا بدأ الروس فى التخطيط لطرد القوات الأوكرانية، لضمان السيادة على طاولة المفاوضات،وبدأت مرحلة التنفيذ، على يد القوات الخاصة الروسية،فى عملية عسكرية، مفاجئة، ضد القوات الأوكرانية فى كورسك، شبهها الجميع بعملية حصان طروادة، حيث قامت القوات الروسية بدفع 800 جندي، من القوات الخاصة، فى عملية تسلل عبر أنابيب الغاز، التى تمر من روسيا إلى أوكرانيا عبر مدينة «سودجا»!.
كانت روسيا تستخدم ذلك الخط الكبير، البالغ قطره 140 سنتيمترا، لضخ الغاز الطبيعى إلى كل دول أوروبا، حتى توقفت بعد فرض عقوبات عليها من قِبل الغرب، فبدأت بسحب الغاز الطبيعى المتبقى فى الأنبوب، ثم ضخ الأكسجين بدلاً منه، ليدخل إليه 800 جندى روسي، بأسلحتهم ومعداتهم الخفيفة، ويتوغلون داخله لمسافة 17 كيلومترا، خلال أربعة أيام، دون أن يشعر بهم الجنود الأوكرانيون. وعند ساعة الصفر، خرج الجنود الروس، من الأنبوب، خلف خطوط الدفاع الأوكرانية، فاستسلم أكثر من 400 جندى أوكراني، وعلى الفور استولى الروس على المعدات والأسلحة الحديثة التى زودهم بها الغرب،بينما وجدت باقى القوات الأوكرانية نفسها محاصرة من الخلف.
ذكرت مجلة فوربس الأمريكية أن الجيش الروسى استولى على عدد كبير من المركبات والآليات العسكرية، بالإضافة إلى أحدث الأسلحة والمعدات الغربية دون قتال. وقد ناشد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بضرورة استخدام الرأفة مع الجنود الأوكرانيين المحاصرين فى كورسك، ومراعاة حقوق الإنسان فى التعامل معهم. وفى المقابل، رد الرئيس الروسي، بأنه سيتعامل معهم وفقاً لقواعد القانون الدولي، فى حال استسلامهم، وهو مايضمن سلامتهم، أما أى محاولة للعصيان أوالتصعيد، فلن يقابلها إلا الرد العسكري.
أطلق الروس على هذه العملية اسم Potok ،أو «السيل»، والتى أظنها سبباً لأن يتنفس الرئيس الروسي، بوتين، الصعداء، إذ ضمن الجلوس على مقعد الأقوياء على طاولة المفاوضات، بعدما حرر أراضى بلاده. إذ تمكنت القوات الروسية من الوصول إلى عمق صفوف العدو، وتطويق دفاعاته، دون أى عمليات قتالية تذكر، وانتهت المعركة فى أيام قليلة، دون إطلاق طلقة واحدة أو صاروخ، ونجحت الخطة الجديدة، والمبتكرة، بفضل حسن التخطيط، وسلامة الإدارة، ودقة التنفيذ. بينما سيظل العالم يتحاكى أنه عاصر تجسيداً واقعياً لأسطورة حصان طروادة، وإن كانت، هذه المرة، عبر أنابيب الغاز، وليس الحصان الخشبى.
Email: sfarag.media@outlook.com
|