صفحـــــات خاصــــــة

العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ولاحقًا، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى فتح تحقيق للشرطة العسكرية بشبهة «ارتكاب مخالفات أمن تتعلق بمعلومات خطيرة».

الصراعات داخل إسرائيل.. إلى أين؟
 

لواء د. سمير فرج

 5 إبريل 2025


بدأت الصراعات الداخلية فى إسرائيل تتزامن مع دخول إسرائيل قتالها فى غزة بعد عام ونصف العام، حيث جاءت فى البداية من خلاف رئيس الأركان الجديد آيال زمير ووزير الدفاع كاتس. على نحو عكس إلى حد بعيد الصراع الدائر من أجل السيطرة على الجيش، فقد وجد زمير نفسه فى مواجهة مع كاتس بعد ١٩ يومًا فقط على دخوله مكتبه خلفًا لرئيس الأركان السابق هيرتسى هاليفى، الذى كان هو نفسه طرفًا رئيسيًّا فى مواجهة علنية بين المستوى السياسى بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والمستوى العسكرى، على خلفية تحمُّل المسؤولية عن الفشل فى منع هجوم «حماس» يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.

المواجهة الأخيرة بدأت بعدما طالب كاتس، فى بيان، بأن يفحص زمير أداء الادعاء العسكرى الذى فتح تحقيقًا ضد ضابط الاحتياط، العميد أورن سولومون، الذى شغل منصب المدير القتالى لـ«فرقة غزة» سابقًا، وقاد تحقيقًا شاملًا فى إخفاقات «٧ أكتوبر».

واعتبر كاتس أن استدعاء سولومون فى الأمر مرتبط بتلك التحقيقات، وقال: «إن حقيقة استدعاء العميد سولومون بالذات أنه كُلّف بإجراء تحقيق بشأن الأحداث فى (القيادة الجنوبية) يوم (٧ أكتوبر) ووجَّه فيه انتقادات إلى القيادة العليا للجيش الإسرائيلى، محذرًا من تحوُّل التحقيقات العسكرية إلى أداة لإسكات النقد الداخلى بالجيش».

ورد زمير فورًا على كاتس، وقال إنه لا يتلقى التعليمات عبر وسائل الإعلام، مضيفًا أن سولومون «استُدعى للتحقيق بسبب شبهات بارتكاب مخالفات أمن تتعلق بمعلومات خطيرة».

وفى نبرة تحدٍ لكاتس، قال: «أدعم أجهزة إنفاذ القانون فى الجيش الإسرائيلى التى تعمل بموجب القانون من أجل استيضاح الشبهات»، وتابع: «الادعاء الذى بموجبه جرى التحقيق مع الضابط بسبب ضلوعه فى تحقيقات (٧ أكتوبر) ادعاء كاذب لا أساس له».

ولاحقًا، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى فتح تحقيق للشرطة العسكرية بشبهة «ارتكاب مخالفات أمن تتعلق بمعلومات خطيرة».

وكان سولومون قد بعث برسالة إلى نتنياهو وكاتس، اتهم فيها الجيش بسوء الإدارة خلال «السبت الأسود». وذكر فى تقريره أن قيادة الجيش، بما فيها رئيس الأركان وسلاح الجو وقيادة المنطقة الجنوبية، «فشلت فشلًا ذريعًا» خلال الساعات الست الأولى من الحرب. وأشار إلى أن الإدارة الواعية كان يمكن أن تقلل عدد الضحايا بالمئات منذ اللحظات الأولى للهجوم، وإلى أن الإجراءات غير الصحيحة «فاقمت نطاق الكارثة».

واتهم سولومون الجيش بمحاولة إخفاء نتائج التحقيقات، وحجب الوثائق، وتعديل المستندات، وبمحاولة إسكاته بشكل منهجى. ونشر عَميت هاليفى، عضو الكنيست عن حزب «الليكود»، رسالة بعث بها سولومون إليه وإلى نتنياهو، واتهم فيها النيابة العسكرية بالتحقيق معه بشكل «مخطط» من أجل «إسكاته».

ولا يعلم أحد إلى أى مدى يمكن أن تتفاقم الأزمة، لكن رون بن يشاى، المعلق العسكرى بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، حذر من عواقب هذا الصدام، وقال إنه يستدعى القلق، ليس فقط بين كبار المسؤولين الأمنيين ونتنياهو، بل بين عموم الإسرائيليين.

واتهم كاتس بمحاولة «تسييس الجيش وزرع الانقسام فيه، وزعزعة الانضباط العسكرى والتسلسل الهرمى الضروريين للغاية، خصوصًا فى أوقات الحرب، والإضرار بمكانة وسلطة رئيس الأركان، وبالتالى الإضرار بسير عمل سلسلة القيادة العسكرية بأكملها».

وقال بن يشاى إن كاتس، الذى لم يمضِ على وجوده فى منصب وزير الدفاع ٦ أشهر، راكم بالفعل «سجلًّا طويلًا غير محمود من الإضرار المنهجى، من خلال وسائل الإعلام، بمكانة كبار المسؤولين فى الجيش». وتابع: «وفوق كل ذلك، يعمل كاتس على تسييس الجيش ومؤسسة الدفاع، ويدوس على كيان الدولة». واعتبر أن الضرر الذى لحق بالجيش ومؤسسته «قاتل».

واتهم نير دافورى، المراسل الأمنى لـ«القناة ١٢»، وزير الدفاع بانتهاك المبادئ، وقال إنه ارتكب خطأً جسيمًا عندما اختار الدخول فى مواجهة مع رئيس الأركان علنًا. وأضاف أن كل مَن كان يعتقد أن زمير «رجل مطيع» اكتشف خطأه مع هذه المواجهة.

أما آفى أشكنازى، المعلق العسكرى فى صحيفة «معاريف»، فيرى أن المواجهة تتعلق بإدراك رئيس الأركان ضرورة الحفاظ على استقلالية الجيش وإبعاده عن تيارات مركز «الليكود» والسياسة الإسرائيلية.

وعلى الاتجاه الآخر، تشهد إسرائيل حاليًا حالة من الانقسام وتعميق الشرخ المجتمعى والاستقطاب السياسى والخلافات بشأن قضايا خلافية جوهرية، سواء قانون تجنيد الحريديم أو الإصلاحات بالجهاز القضائى أو إقالة رئيس الشاباك رونين بار.

ويرى البعض أن «نتنياهو عراب التحريض والانقسام السياسى الإسرائيلى لأجيال، والذى دخل المعترك السياسى مستغلًّا موجات التحريض التى أطلقها ضد إسحاق رابين».

وفى مؤشر على جدية المخاطر التى تهدد استقرار إسرائيل داخليًّا، ينشط رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيجدور ليبرمان، فى اجتماعات مع كتل أحزاب المعارضة وإحاطات لوسائل الإعلام بإرسال رسائل بأن نتنياهو يشكل خطرًا وجوديًّا على إسرائيل ويدفع بها نحو الديكتاتورية، ولا بد من الإطاحة به وعزله.

واختار ليبرمان افتتاح الجلسة الأسبوعية لكتلته البرلمانية بالتهديد والوعيد لرئيس الوزراء، قائلًا إنه «إذا لم تحترم الحكومة قرار المحكمة العليا بشأن تجميد إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلى الشاباك، رونين بار، فسأتوجه إلى الرئيس إسحاق هرتسوغ، وسأطلب منه إقالة رئيس الوزراء نتنياهو من منصبه».

وأوضح ليبرمان أن «الاختبار سيكون قرار الحكومة باحترام حكم المحكمة العليا من عدمه»، مشيرًا إلى أنه غير متأكد من «الاستقرار العقلى» لرئيس الوزراء: «لأننى أعرفه منذ عقود، فأنا أنظر إليه وإلى تعبيرات وجهه وكلامه، وأقول إننى لست متأكدًا من استقراره العقلى».

وتحت عنوان «سيكون من الصعب إعادة الدولة العميقة إلى القمقم»، كتبت الدبلوماسية السابقة فى وزارة الخارجية الإسرائيلية، توفا هرتسل، مقالًا بالموقع الإلكترونى «زمان يسرائيل»، استعرضت فيه الحديث المتزايد عن «الدولة العميقة» وتداعيات ذلك على مستقبل إسرائيل.

وأشارت إلى أن الترويج بإسرائيل إلى مصطلح «الدولة العميقة»، خاصة من قِبَل نتنياهو، يذكّر بـ«بروتوكولات حكماء صهيون»، وهى وثيقة نشرتها المخابرات القيصرية فى روسيا فى أوائل القرن الـ٢٠، والتى من المفترض أنها تحتوى على خطة يهودية مفصلة للسيطرة على العالم.

وقالت هرتسل: «لا يتعين عليك أن تكون مؤرخًا لكى تدرك أنه عندما يلقى القادة باللوم فى إخفاقاتهم على أعدائهم، فإن الطريق إلى القمع يكون قصيرًا، ويتم تصوير الحاكم على أنه شخص يعمل على إنقاذ البلاد، وإذا كان هذا يتطلب تفكيك المؤسسات القائمة ومنحه هو وأتباعه مزيدًا ومزيدًا من السلطة، وهذا عمليًّا ما يقوم به نتنياهو».

وهكذا بدأت الانشقاقات داخل الدولة العميقة فى إسرائيل، والتى تزيدها مشكلة عودة الرهائن من أيدى حماس، والسؤال هنا: هل ستؤدى هذه الخلافات إلى سقوط الحكومة الإسرائيلية؟.



Email: sfarag.media@outlook.com



  

أخر تحديث 27 إبريل 2025

 حقوق الطبع © د/سمير فرج. كل الحقوق محفوظة.