العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفى ردها، استخدمت إيران الصاروخ «فتاح 1 و2» الفرط صوتى، الذى يبلغ مداه 1400 كيلو متر.

الفرط صوتى الذى هز عرش إسرائيل
 

لواء د. سمير فرج

 19 يونيو 2025


شنت إسرائيل هجومها، على الأراضى الإيرانية، فجر يوم الجمعة 13 يونيو، ونفذت ضربة استباقية، عندما استهدفت المنشآت النووية، فى عملية عسكرية أطلقت عليها اسم «الأسد الصاعد»، بهدف منع إيران من امتلاك السلاح النووي.

وقد قامت، فى تلك العملية، باغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين، بالإضافة إلى اغتيال عشرين من القادة الإيرانيين، من بينهم، اللواء محمد باقرى، رئيس أركان القوات الإيرانية، واللواء حسين سلامى، قائد الحرس الثورى الإيرانى، واللواء أحمد رضا ذو الفقارى، أستاذ الهندسة النووية، والأميرال على شمخانى، مستشار الإمام خامنئى، بالإضافة إلى رئيس لجنة المفاوضات مع الولايات المتحدة، ومدير الاستخبارات الإيرانية، ونائب رئيس هيئة العمليات، وغيرهم.

وتمكنت الضربات الإسرائيلية، الأولى، من إصابة الدفاعات الجوية الإيرانية، وشبكات الإنذار والرادار، إلا أن ضرباتها ضد المنشآت النووية الإيرانية لم تكن بنفس القوة، حيث كانت إيران قد نجحت، خلال السنوات الماضية، فى نقل المفاعلات النووية إلى الجبال، لذلك عندما هاجمت الطائرات الإسرائيلية منطقة نطنز، عاصمة المفاعلات النووية الإيرانية، لم تنجح فى تدميرها، كما ظنت.

لا يمكن إنكار عنصر الخداع الاستراتيجى، فى الهجوم الذى شنته إسرائيل، بمباغتة إيران بتوقيته، قبل يومين من موعد عقد جلسة المفاوضات السادسة، والتى كانت مُقررة يوم الأحد الموافق 15 يونيو، بين وفود كل من إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة، فى سلطنة عمان، للاتفاق على حل نهائى يضمن عدم امتلاك إيران السلاح النووى، خاصة أن الرئيس الأمريكى قد هدد بأن عدم التوصل إلى اتفاق، فى ذلك اليوم، من شأنه اتخاذ إجراءات حاسمة ضد إيران. لذا توقع الساسة الإيرانيون، ومعهم القادة العسكريون فى طهران، عدم قيام إسرائيل بأى عمل عسكرى، إلا بعد يوم الأحد، على أسوأ تقدير. وهو الخطأ الكبير الذى وقعت فيه القيادة العسكرية الإيرانية، بعدم الالتزام بالمبادئ العسكرية، التى تفرض عليها الجاهزية للقتال، فى أى وقت، دون النظر للاعتبارات السياسية، خاصة فى مثل تلك الأوقات، التى يسودها التوترات والمشاحنات. كذلك خُدع الإيرانيون بإعلان الرئيس الأمريكى، ترامب، عن نُصحه لإسرائيل بعدم القيام بأى عمليات عسكرية ضد إيران، مثلما خُدعوا بالإعلان عن إقامة حفل خطوبة نجل رئيس الوزراء الإسرائيلى فى الأسبوع المقبل.

كل تلك العوامل أدت إلى اقتناع القيادة السياسية والعسكرية الإيرانية، بأن إسرائيل لن تبادر بأى عمل عسكرى، حتى فوجئوا فى فجر يوم الجمعة بالهجوم الجوى الإسرائيلي. ومع حلول مساء ذلك اليوم، وبعدما عينت إيران قادة جددا فى المناصب الرئيسية، بدأت ردها بشن الضربة المضادة لإسرائيل، مستخدمة الطائرات المسيرة الإيرانية، والصواريخ من طراز «فتاح 1 و2»، المصنفة كصواريخ «فرط صوتية».

ولمن لا يعرف، فإن مجال الأسلحة العسكرية يضم أنواعا مختلفة من الصواريخ، منها الباليستية، التى يتم تصنيفها وفقاً لمداها، فمنها قصيرة المدى التى يبلغ مداها 1000 كيلو متر، ومتوسطة المدى التى يتراوح مداها بين 1000 إلى 3500 كيلو متر، وفوق المتوسطة التى يصل مداها إلى 5500 كيلو متر، وأخيراً طويلة المدى، أو عابرة القارات التى تصل لأبعد من 5500 كيلو متر، ولا تتجاوز سرعة الصواريخ الباليستية 5 ماخ (أسرع من الصوت).

أما النوع الآخر من الصواريخ الموجودة بالترسانات العسكرية، فهو الصاروخ الفرط صوتى، الذى تبدأ سرعته من 5000 ماخ، وتصل فى بعض الأحيان إلى 17000 ماخ، عند خروجه من الغلاف الجوى، كما يتميز بقدرته على مراوغة الدفاعات الجوية المعادية، عكس الصواريخ الباليستية التى تفتقد إلى تلك المرونة، إذ تخترق الصواريخ الفرط صوتية المجال الجوى، وتنطلق فى الفضاء حتى تصل إلى أهدافها، وخلال تلك الفترة، لا يمكن كشفها أو التصدى لها.

وفى ردها، استخدمت إيران الصاروخ «فتاح 1 و2» الفرط صوتى، الذى يبلغ مداه 1400 كيلو متر، والقادر على تخطى جميع منظومات الدفاع الجوى الإسرائيلية، فأطلقتها إيران باتجاه إسرائيل، التى تستخدم أربعة أنظمة للدفاع الجوى ضد الطائرات والصواريخ المعادية، وهى، القبة الحديدية، ومداها من 4 إلى 70 كيلو مترا، ونظام مقلاع داوود، ومداه من 40 إلى 300 كيلو متر، ونظام السهم (آرو)، ويصل مداه حتى 2300 كيلو متر، فضلاً عن نظام «ثاد» الأمريكى، الذى قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل دعماً لها.

كما استخدمت إيران تكتيكا عسكريا، فمع وصول الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية إلى الأهداف الإسرائيلية، كانت قد سبقها بدقائق وصول الطائرات الدرونز، فنجحت، بذلك، فى تشتيت أنظمة الدفاع الجوى الإسرائيلية، ولأول مرة يشعر سكان إسرائيل بالخوف والهلع، واندفعوا للهروب إلى الملاجئ تحت الأرض، وهم بالملابس الداخلية، بعد دوى صفارات الإنذار، وبدأت إسرائيل تتجرع طعم الإهانة أمام ضربات الصواريخ الفرط صوتية.

وفى ضوء التقدم الاستخباراتى الإسرائيلى، يبادرنا سؤال عن مدى علمها بامتلاك إيران ذلك النوع من الصواريخ الفرط صوتية، إلا أن المشكلة لم تكن فى علمها، إذ تعلم إسرائيل بامتلاك إيران تلك الصواريخ، مثلما تعلم قدراتها، إلا أن المشكلة كانت فى ظنها على قدرة أنظمة دفاعاتها الجوية، القبة الحديدية ومقلاع داوود والسهم وثاد، على التصدى لتلك الصواريخ.

ورغم عدم حسم الأحداث حتى كتابة تلك السطور، وبصرف النظر عما ستؤول إليه، فإن أحدا لا يمكنه إنكار أنها وضعت إسرائيل فى أسوأ موقف، فمن ناحية، شعبها مختبئ مذعور فى الملاجئ، و«جيشها الذى لا يُقهر»، صار عاجزاً أمام الفرط صوتى الإيرانى، رغم محاولات بث الطمأنينة وإظهار الثبات من خلال التصريحات الإعلامية.



Email: sfarag.media@outlook.com